الدبلوماسية أم الحرب- حلول مستدامة أم صراعات لا تنتهي؟

المؤلف: محمد مفتي11.10.2025
الدبلوماسية أم الحرب- حلول مستدامة أم صراعات لا تنتهي؟

لعل مقولة السياسي الفرنسي الشهير، جورج كليمنصو، "الحرب أمر جلل لا ينبغي تركه للعسكريين وحدهم"، تجسد حقيقة تاريخية راسخة، إذ تؤكد أن قرارات الحرب والسلام يجب أن تكون نتاجًا لمشاركة الدبلوماسيين، سعيًا لتفادي الصراعات وتعزيز السلام قدر الإمكان. هذا لا يقلل من أهمية آراء الخبراء العسكريين، بل يجب أخذها في الاعتبار عندما تعجز الوسائل الدبلوماسية عن إيجاد حلول، باعتبارها الأدوات الحاسمة لدعم الاستقرار وتأكيد سيادة الدولة على أراضيها.

الحروب نادرًا ما تنجح في القضاء على أسباب الصراعات بشكل جذري، بل غالبًا ما تمنح الطرف المنتصر امتيازات مؤقتة، ريثما يعيد الطرف الآخر ترتيب صفوفه والاستعداد لمواجهة جديدة. وهكذا، يستمر الوضع في تقلبات مستمرة لعقود، حيث يسعى كل طرف، بعد تحقيق نصر ما، إلى تجديد القتال. وخلال هذا المسار، يعاني الطرفان من خسائر فادحة في الموارد المالية والبشرية، ويكادان يتساويان في المعاناة سواء في حالات الفوز أو الهزيمة، بينما تبقى المشكلة الأساسية دون حل، مهددة بإنهاء فترات الهدوء القصيرة.

الدبلوماسية تتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا، حيث تركز على مواجهة أساس المشكلة والبحث عن حلول جذرية وشاملة. يتضمن ذلك التواصل مع جميع الأطراف المعنية، ومناقشة مطالبهم، والتوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف. يهدف هذا النهج إلى تحقيق مكاسب متوازنة لجميع الأطراف المنخرطة في الصراع، مع تقديم تنازلات متساوية من قبل الجميع. من خلال سلسلة من المفاوضات البناءة، يمكن تحقيق حلول مستدامة ونهائية تضمن تجنب الصراعات والحروب المستقبلية. فالتفاوض يسعى جاهدًا لتجنب الحرب، خاصة إذا كانت لدى الطرفين رغبة حقيقية في إنهاء النزاع. يجب ألا تمارس الدبلوماسية ضغوطًا على طرف لصالح طرف آخر، مما قد يؤدي إلى استمرار حالة من التوتر والاستعداد للانقضاض في اللحظة المناسبة، وبالتالي استدامة حالة عدم الاستقرار والتهديد التي تلقي بظلالها على شعوب الطرفين.

من اللافت للنظر أن إسرائيل، منذ تأسيسها، لا تعتمد على الدبلوماسية في تعاملها مع العرب، بل تتبنى نهجًا يعتمد على القوة العسكرية في السياسة. إنها لا تؤمن إلا بلغة القوة كوسيلة للتواصل مع جيرانها، وبمنطق التفوق العسكري كوسيلة لضمان وجودها في محيطها العربي دون أن تتفوق عليهم عسكريًا. ومن المؤسف أن هذه الأفكار الصراعية تتشاركها بعض الدول الكبرى، حيث يعتقد بعض الدبلوماسيين الغربيين أن التفاوض يجب أن يحدث فقط بعد أن يشعر الطرف الضعيف باليأس والانكسار. هذا المبدأ تتبعه إسرائيل في مفاوضاتها مع الفلسطينيين، بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات.

هذه السياسة القمعية تعكس ضحالة رؤية قادة إسرائيل وتدل على افتقار زعمائهم إلى الفهم السياسي الأساسي والحكمة اللازمة لقيادة أي دولة. إذا تأمل قادة إسرائيل في المأزق السياسي الذي تعيشه إسرائيل منذ نشأتها، فسيدركون أن دولتهم في حالة حرب مستمرة مع الدول العربية منذ تأسيسها. إنها تخوض صراعات عسكرية متنوعة، بعضها داخلي مع الفلسطينيين وبعضها خارجي مع جيرانها. ولا شك أن الشعب الإسرائيلي هو أول من يعاني من هذه السياسة الطائشة، حيث يجد نفسه منخرطًا في صراعات لا تنتهي دون أي أمل في السلام. إن صوت صفارات الإنذار، وهلع الجماهير، وحوادث الطعن والدهس والقتل، تمثل كابوسًا دائمًا للشعب الإسرائيلي، وهي نتيجة مباشرة لممارسات قادته المتطرفين المتعطشين للحرب، فإسرائيل تفكر فقط بمنطق القوة العسكرية، التي تسيطر على سياستها الخارجية وتعيق أي فرصة للحوار الدبلوماسي.

من المؤكد أن قادة إسرائيل يفتقرون إلى أي نوع من الفطنة السياسية. فلو كانوا يمتلكون أدنى قدر منها، لأدركوا أن سياسة القوة والتهديد لن تحقق أي نتائج إيجابية على المدى الطويل. فالعرب لم ولن يتخلوا أبدًا عن حقوقهم المشروعة، وأن القتل المستمر والممنهج للفلسطينيين لن ينهي القضية، بل سيولد جيل جديد يحملها في قلبه وفي أعماقه. فالقضية لن تموت أبدًا، فقادة إسرائيل المتطرفين لا يرون من البحر سوى سطحه، لذا فإن العنف المفرط وعدم معالجة القضايا المتنازع عليها بجدية سيحول المنطقة إلى ساحة صراع لعقود، وربما لقرون قادمة، حتى يعود الحق لأصحابه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة